الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أخبرنا أبو بكر الجوزقي قال: حدّثنا عبد الواحد بن محمد الارعياني قال: حدّثنا الأحمسي قال: حدّثنا عمرو العبقري قال: حدّثنا مسلمة بن جعفر عن عمرو بن قيس في قوله سبحانه: {والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: مجالس الخنا، ابن جريج: الكذب، قتادة: مجالس الباطل، وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيّل إلى مَن سمعه أو يراه أنّه بخلاف ما هو به، فهو تمويه الباطل لما توهّم أنّه حقّ.{وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا} قال مقاتل: إذا سمعوا من الكفّار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد، نظيره {وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ} [القصص: 55] الآية، وقال السدّي: وهي منسوخة بآية القتال، العوّام بن حوشب عن مجاهد: إذا أتوا على ذكر النكاح كنّوا عنه، ابن زيد: إذا مرّوا بما كان المشركون فيه من الباطل مرّوا منكرين له معرضين عنه، وقال الحسن والكلبي: اللغو: المعاصي كلّها، يعني إذا مرّوا بمجالس اللهو والباطل مرّوا كرامًا مسرعين معرضين، يدل عليه ما روى إبراهيم بن ميسرة أنَّ ابن مسعود مرَّ بلهو مسرعًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أصبح ابن مسعود لكريمًا».وقال أهل اللغة: أصله من قول العرب ناقة كريمة، وبقرة كريمة، وشاة كريمة إذا كانت تعرض عن الحليب تكرّمًا كأنّها لا تبالي بما يحلب منها.{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ} لم يقعوا ولم يسقطوا {عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} كأنّهم صمّ عمي، بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه.قال الفرّاء: ومعنى قوله: {لَمْ يَخِرُّواْ} أي لم يقيموا ولم يصيروا، تقول العرب: شتمتُ فلانًا فقام يبكي يعني فظلّ وأقبل يبكي ولا قيام هنالك ولعلّه بكى قاعدًا، وقعد فلان يشتمني أي أقبل وجعل وصار يشتمني، وذلك جائز على ألسن العرب.{والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا} بغير ألف أبو عمرو وأهل الكوفة، الباقون: ذّرياتنا بالألف {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} بأن يراهم مؤمنين صالحين مطيعين لك، ووحّد قرّة لأنها مصدر، وأصلها من البرد لأنّ العرب تتأذّى بالحر وتستروح إلى البرد.{واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي أئمة يقتدى بها. قال ابن عباس: اجعلنا أئمة هداية كما قال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73] ولا تجعلنا أئمة ضلالة كقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} [القصص: 41].قتادة: هُداة دعاة خير.أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف الفقيه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون ابن خالد قال: حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبد الله العازي الطبري المعروف بابن فيروز قال: حدّثنا الحكم بن موسى قال: حدّثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرَّحْمن بن زيد بن جابر عن مكحول في قول الله عز وجل: {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قال: أئمّة في التّقوى يقتدي بها المتّقون، وقال بعضهم: هذا من المقلوب واجعل المتّقين لنا إمامًا واجعلنا مؤتمّين مقتدين بهم، وهو قول مجاهد، ولم يقل أئمة لأنّ الإمام مصدر، يقال: أمّ فلان فلانًا مثل الصيام والقيام، ومَن جعله أئمة فلأنّه قد كثر حتى صار بمعنى الصفة.وقال بعضهم: أراد أئمة كما يقول القائل: أميرنا هؤلاء يعني أمراؤنا، وقال الله سبحانه عز وجل: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء: 77]، وقال الشاعر:
أي أمناء.{أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة} يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة {بِمَا صَبَرُواْ} على أمر ربهم وطاعة نبيّهم، وقال الباقر: على الفقر.{وَيُلَقَّوْنَ} قرأ أهل الكوفة بفتح الياء وتخفيف القاف، واختاره أبو عبيد لقوله: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11].{خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} أي ما يصنع وما يفعل، عن مجاهد وابن زيد.وقال أبو عبيد: يقال: ما عبأت به شيئًا أي لم أعدّه، فوجوده وعدمه سواء، مجازه: أي مقدار لكم، وأصل هذه الكلمة تهيئة الشيء يقال: عبّأت الجيش وعبأت الطيب أُعبّئه عبؤًا وعبوًا إذا هيّأته وعملته، قال الشاعر:كأن بنحره وبمنكبيه عبيرًابات يعبؤه عروس... {لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} إيّاه، وقيل: لولا عبادتكم، وقيل: لولا إيمانكم. واختلف العلماء في معنى هذه الآية قال قوم: معناها قل ما يعبأ بخلقكم ربّي لولا عبادتكم وطاعتكم إيّاه، يعني أنّه خلقكم لعبادته نظيرها قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد، قال ابن عباس في رواية الوالبي: أخبر الله سبحانه الكفّار أنّه لا حاجة لربهم بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبّب إليهم الإيمان كما حبّب إلى المؤمنين.وقال آخرون: قل ما يعبأ بعذابكم ربّي لولا دعاؤكم إيّاه في الشدائد، بيانه {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [العنكبوت: 65] ونحوها من الآيات.وقال بعضهم: قل مايعبأ بمغفرتكم ربّي لولا دعاؤكم معه آلهة وشركاء، بيانه قوله سبحانه وتعالى {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147] وهذا المعنى قول الضحّاك.وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا أبو حاتم قال: حدّثنا أبو طاهر بن السرج قال: حدّثنا موسى بن ربيعة الجمحي قال: سمعت الوليد بن الوليد يقول: بلغني أنّ تفسير هذه الآية {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} يقول: ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلاّ أن تسألوني فأغفر لكم، وتسألوني فأعطيكم.{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} يا أهل مكة.وأخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا شعبة بن عبد الحميد بن واصل قال: سمعت مسلم بن عمّار قال: سمعت ابن عباس يقرأ: فقد كذّب الكافرون {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}.وبه شعبة عن أدهم يعني السدوسي عن أنّه كان خلف بن الزبير يقرأ {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] فلمّا أتى على هذه الآية قرأها: فقد كذّب الكافر فسوف يكون لزامًا، ومعنى الآية فسوف يكون تكذيبهم لزامًا. قال ابن عباس: موتًا. ابن زيد: قتالًا، أبو عبيدة: هلاكًا.وأنشد: وقال بعض أهل المعاني: يعني فسوف يكون جزاء يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر، وقال ابن جرير: يعني عذابًا دائمًا لازمًا وهلاكًا مفنيًا يلحق بعضكم بعضًا كقول أبي ذؤيب. يعني باللزام الكثير الذي يتبع بعضه بعضًا وباللفيف الحجار المنهد، واختلفوا في اللزام هاهنا فقال قوم: هو يوم بدر قُتل منهم سبعون وأُسر سبعون، وهو قول عبد الله بن مسعود وأُبي ابن كعب وأبي مالك ومجاهد ومقاتل.روى الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم. وقال آخرون: هو عذاب الآخرة. اهـ.
|